الثلاثاء، 14 يناير 2020

متى الوقت المناسب للموت؟


وجدت نفسي منذ سنوات كثيرة أكرر هذا السؤال بين الحين والآخر، عند كل حالة مرض أو وفاة أو معاناة، مع كل حدث مأساوي جديد يتصدر مآسي أمتنا، مع كل صورة أو خبر لحالات تعيش من المعاناة ما لايعلمه إلا الله. هل الموت في عمر الستين مناسب للإنسان أكثر من الموت في الثلاثين والأربعين؟ 
أرى أن هذا السؤال مهم جدا ويجب أن يكون أمام كل إنسان. لماذا؟ كلامي هو عن هذا الموضوع. التفكير في الموت يعني أولا التفكير في الحياة وسببها. ويمكن رؤية الحياة بمنظورين مختلفين.

المنظور الأول هو أننا خُلِقنا لنعيش حياة كريمة هانئة نتعلم فيها ونكبر ونعمل ونتزوج وننجب ونربي ونرى أحفادنا ثم ننتقل إلى جوار ربنا. التفكير بهذا المنظور يعني أن أي اختلاف وتفاوت عن هذه المراحل يعني مشكلة ومأساة عظيمة يجب حلها للعودة إلى المسار الصحيح، وإن لم يكن هذا ممكنا فيعني أن الإنسان لم ينل نصيبه من الحياة وبأنه قد ظُلِم في حياته ولم ينل فرصة عادلة كغيره من البشر. فمن يموت شابا لم ينل العدل ومن عاش في فقر شديد أو بيئة فاسدة ومن عاش في حالة حرب ومن أصابه مرض شديد كلهم قد ظُلِموا في هذه الحياة. مع هذا التفكير تأتي تساؤلات كثيرة مثل لماذا يحدث هذا؟ ماذنب صاحب المصيبة؟ لمَ هذا الظُلم؟ أين عدل الله؟  المفكر بهذه الطريقة يعيش لتحسين تجربة الحياة مهما كان المقابل فالهدف هو الراحة والرفاهية في دورة الحياة، لامانع من الغش والخداع والظلم والسرقة إذا أتيحت الفرصة. فإن حالفه الحظ وعاش في راحة مالية وصحية و اجتماعية فالحمدلله، وإن صادفته مصيبة أو صعوبة في مجال ما عظّم هذا الإنسان الموضوع وهوّله وعاش ميّتا يائسا حزينا لاطعم لحياته ولا شعور.

المنظور الثاني هو أننا في هذه الدنيا نقدم اختبارا كثير النماذج لايتشابه فيه نموذجان فلايمكن مقارنة حياة بأخرى ولايمكن الحكم على تجربة بالنجاح أو الفشل. التفكير بهذا المنظور يعني عدم إفراط الاكتراث في أي أمر كان خلال هذا الامتحان، إن واجهنا فرحا فرحنا بهذا "السؤال" الجميل ولكن لانغتر ونتساهل أو ننسى الإجابة عليه وأقصد شكر الله وتذكر فضله وإن واجهنا حزنا وكدرا حزنّا وانصدمنا بهذا "السؤال" الصعب، ولكن لانيأس ونتوقف عن حل باقي الامتحان ولاندع هذا السؤال الصعب يكون سببا لفشلنا في الاختبار كله. نسعى قدر المستطاع للنجاح ونترك النتيجة والتقييم للحكم العدل الخبير. 

بالتأكيد لايختلف عاقلان على أن المنظور الثاني هو الصحيح، ولكن هذا أمر نظري بحت. في الواقع قد تتأرجح مواقفنا بين هذين المنظورين، والحل هو تعويد النفس وتذكيرها باستمرار بهذا السؤال. 
عودة إلى السؤال الأول (الوقت المناسب للموت)، عند التفكير بامتحان الحياة تفكيرا صحيحا ستكون الإجابة مبنية على معايير صحيحة، وسنتذكر الأمور المهمة ونميزها من توافه الحياة.
عندما أسأل نفسي هل الوقت مناسب الآن لأن أموت؟ سأفكر، هل علاقتي بالله صحيحة؟ أين تقصيري؟ إن كان حالي صحيحا فالجواب الصحيح هو "نعم، أنا مستعد ومرتاح للموت الآن، أنا واثق من إجاباتي في امتحان الحياة" وإن كان الجواب غير ذلك فستتوضح عندي مواطن تقصيري وضعفي، وتتوضح أولوياتي وأعمل لها ولا أدع الأمور الإضافية الفرعية تأخذ كثيرا من تفكيري ووقتي.
التعود على هذا السؤال وهذا التفكير سيساعد كثيرا لنصل إلى حالة المؤمن المثلى التي ذكرها الرسول ﷺ حين قال: ((عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ)). هي حالة سهلة نظريا ولكن الأمر صعب أيما صعوبة تطبيق هذه القاعدة عمليا. علينا أن نقتنع بإنه لايمكن تحقيق شيء دون التفكير به أولا ثم مجاهدة النفس للوصول إليه. 

التفكير بالموت ليس مدعاة لترك العمل في الدنيا والاجتهاد فيها بل على العكس تماما، التفكير فيه مع فهم صحيح لسبب وجودنا في هذه الحياة يدفعنا للاجتهاد الشديد في حياتنا وتأدية أماناتنا ومسؤلياتنا تجاه آبائنا وأزواجنا وأبنائنا وأصحابنا وأعمالنا وأوطاننا وأمتنا وكل مجالات الحياة. فالعمل وتحمل المسؤولية هي من صميم العبادة التي خُلقنا لأجلها. ولكن التفكير في الموت سيحمينا من استخدام الأساليب الخاطئة للوصول إلى المصالح الدنيوية، سيحمينا من اليأس والقنوط وقت المصائب، سيحمينا من الغفلة وقت النعم.

على الهامش: قد تكون من أسعد وأنقى لحظات حياتي هي عندما فكرت في هذا السؤال يوما ما وأنا أمشي عائدا من المسجد وكانت الإجابة بكل راحة "نعم، أتمنى أن أموت في يوم كهذا، صليت كل الصلوات جماعة في المسجد مع سننها، قلت الأذكار، والداي راضيان عني" ثم دعوت الله عز وجل بهذا الأمر. كان شعورا غريبا وعجيبا جدا أسأل الله أن يصلح أعمالنا مابقينا وأن يتقبلها وأن يتوفانا وهو راض عنا

الاثنين، 6 أغسطس 2018

هل ستملك في الغد ما يستحق أن يُروى؟

"قبل كنا نلعب في ملعب الفريج وكنه نناديه الوحش لأنه كان خوش دفاع"، "ذيج الحزة كان هني بيت أم محمود اللي كانت توزع حلاوة عاليهال"، "هالبيت كان فيه فيصلو اللي يبط الكور". لقطات من حوارات أكاد أجزم أن الكل قد مر بها، وأجزم أن السامع في هذا الحوار كان يبتسم ابتسامة مع إيماءة خفيفةأملًا -في الغالب- من أن يكتفي المتحدث بهذا القدر من الذكريات التي ترى من ابتسامته وهو يحدثك أنه يراها وهي تُعرض على وجهك، وهو -بحديثه- يمر عليها في عالم افتراضي متكامل الأبعاد.
الأمثلة الماضية هي الذكريات التي نسمعها من معظم كبار السن عندما تسنح فرصة حوار مع أحدهم، ولكن هناك فئة أخرى يكون لسماع ذكرياتهم أثر خاص، فقصصهم تشدك، وأحداثها تذهلك، فهي تجعلك تدرك أن ما تراه أمامك من أثر لم يأتِ عبر طريقٍ سهلٍ مُعَبَّد، وتتذكر أن ما تقوم به اليوم هو ما سترويه لغيرك غداً. فالسؤال هو هل ستملك في الغد ما يستحق أن يُروى؟
سؤالٌ غريبٌ فريدٌ من نوعه، فهو سؤال عندما تطرحه على نفسك لن تجيب عليه، بل سيدفعك -إن أحسنت التفكير ووفقك الله- إلى العمل والاجتهاد، سيدفعك إلى تَتَبّع أفضل من سطروا التاريخ بأعمالهم، سيبعث فيك القوة لبذل المزيد من الجهد فيما يفيد، سيُذكرك بأننا نسير في طريق متصل فأعمالنا اليوم هي التي تبني الغد، سيجعل غايتك واضحة أمامك تجنبك الحياد عن الطريق الصحيح، سيعينك على التغلب على مشاق الدرب وتعبه. 
بالأمس تم تكريم الفوج الثاني من مؤسسي جمعية الإصلاح والعاملين القدامى فيها. هذا الموقف جعلني أفكر كثيرا في هذا السؤال، تأملت حالي وما أقدمه لخدمة ديني ووطني ومجتمعي، هل ما أقدمه سيساهم في تَطَوّر المكان الذي أعمل فيه، أم هو مجرد تمضية وقت مع أصدقاء لي؟ هل نيتي وهدفي من العمل صالحين فأثبت بفضل من الله تعالى على نهج الخير، أم أنا أعمل لهوى في نفسي وحبا لمنصب أو مسمى؟
خواطر وأفكار كثيرة تمر عند التفكير بهذا السؤال حتى أصل في مرحلة ما إلى نقطة أشعر فيها بعظم الغاية أمام إنسان ضعيف نفسي، فأتوقف وأتذكر بأنه "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فأعمل بما لدي من أسباب، دعاء الله عز وجل بالثبات، صحبة تذكرني كلما فترت أو ضعفت، وتفكير دائم في هذا السؤال " هل ستملك في الغد ما يستحق أن يُروى؟".

السبت، 17 ديسمبر 2016

خاطرةٌ من حياةٍ جديدة

حياتان جديدتان تبدآن مع بداية كل حياة جديدة، فمع قدوم أي مولود تتغير حياتَيْ والدَيْه إلى الأبد. موضوع يسهل تصوره وتخيله على جميع الناس ولكن لن يعرف حقيقته إلا من بدأ حياته الجديدة، حياة الأبوة.
بدأَتْ حياتي هذه منذ أقل من شهرين فدفعني ما أراه أمامي من تغيّر إلى التفكير في بداية حياة الأبوة لدى والديّ وجميع الوالدين.
مخلوق صغير يتحول -بقدرة الله تعالى- من خيال إلى مظهر يُرى على جسد الأم، ثم فجأة يكون حقيقة ملموسة أمام الناس. مخلوق ضعيف لايفقه شيئا ولايقدر على شيء، لايقدّم شيئا لمن يرعاه سوى التعب والنصب والأرق. ولكن فطرة الله تعالى هي حب هذا المخلوق، فيتلاشى تعب الرعاية وسط محيط الحب والعطف فيصبح من المستحيل أن يفضل الوالدان راحتهما على أي شيء يتعلق بهذا المولود حتى وإن كان مجرد الوقوف أمامه في الأوقات اليسيرة التي يكون فيها مستيقظا. ولا أشك أبدا بأن هذا الحال سيستمر ولن يتغير فيه شيء سوى مظاهره، فالمولود سيكبر ويكبر معه تعب والديه على تربيته، ويكبر ويكبر قلق والديه على مستقبله، ويكبر ويكبر حبهما له، ويكبر ويكبر فخرهما به.
عندما أحمل ابني بين يدي أتخيل كيف كنتُ وكيف تعب والداي وضحوا من أجلي، فأتأثر أشد التأثر وأدعو الله أن يوفقني لبرهما وإسعادهما ماحييت. وأتخيل كذلك حال كل بني البشر وهم في هذه المرحلة من حياتهم، كيف يمكن لمخلوق كهذا أن يتكبر على الآخرين؟ كيف يمكن لهذا المخلوق أن يتحول إلى مجرم طاغية؟ بل كيف يُمكن أن يعامل هذا الضعيف العاجز والديه بقلة أدبٍ وجفاء؟ أتخيل وأفكر، ثم أتذكر بعضاً من المواقف التي شاهدتها أو سمعت عنها. أشخاص يتطاولون على والديهم بالضرب أو الصراخ لا لشيء سوى أنهم أزعجوهم بطلباتهم وسؤالهم عنهم، يستشيطون غيظا وغضبا لأن من سهر لأجلهم الليالي يأخذ دقائق من وقتهم. أشخاص ينامون بين أبنائهم وهم يعلمون أن والديهم بحاجة إلى خدمة منهم، أو هناك مايضايقهم.
أتفكر في هذا الموضوع من ناحية إنسانية بحتة فأرى أنه من غير المعقول أن يتحول هذا المخلوق الضعيف إلى هذا الكائن الميت روحيا الجاحد لمن قدم له أعظم فضل في حياته. فإذا أضفنا على ذلك وجوب بر الوالدين في ديننا وفضل البار بوالديه لدرجة أن الرسول ﷺ قال: ((رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)). فكيف يجرؤ شخص على عدم احترام والديه، وكيف نحترم نحن شخصاً عاقاً بهما سيء الخلق معهما؟
هذه خاطرة تدور في ذهني كلما شاهدت ابني الصغير، فأدعو الله تعالى أن يجعلني وإياه بارين بوالدينا.
وأدعو كل من لايزال يقرأ المقال أن يتفكر في حاله، فيحمد الله على ماهو فيه من خير، ويصحح وضعه قبل فوات الأوان.

الجمعة، 16 سبتمبر 2016

أَيُّ شاحِنٍ لَدَيْك؟

عندما يبدأ الشخص منا بتجهيز مسلتزمات سفر قريب -على سبيل المثال-، غالبا ما سيكون محتاجا إلى أجهزة إلكترونية كثيرة، وهي بالتأكيد تعمل بالطاقة. تتنوع حاجة كل جهاز نملكه إلى الطاقة حسب قوة بطاريته، وتتنوع الشواحن التي نستخدمها لشحنها تنوعا كبيرا. الموضوع قد لا يلفت انتباهنا في الغالب ولكن عندما نتأمل الأجهزة الإلكترونية التي نملكها والشواحن التي نستخدمها لتوفير الطاقة لها، نجد أن هذا الموضوع قد يكون مهما جدا لفهم وتنظيم علاقاتنا اليومية في الحياة.

فلنتأمل الأجهزة أولاً، تتنوع الأجهزة وتتنوع قوة بطارياتها وتتفاوت مدة حاجتنا إلى شحنها مرة أخرى، فمنها مالا نحتاج إلى شحنه إلا كل سنة أو سنتين كالساعات التقليدية، ومنها ما نحتاج إلى شحنه أسبوعيا كالسيارات، منها ما نحتاج إلى شحنه يوميا كالهواتف الذكية -في الغالب- ومنها مالا يمكن أن نتوقف عن شحنه أبدا وإلا توقف عن العمل كالمكيفات. فصاحب الهمة "الكبيرة" لايحتاج إلى شحن همته كل يوم. وصاحب الهدف الواضح لايحتاج إلى تذكيرٍ كل ساعة، وصا... عذرا على تغيير الموضوع، فلنعد إلى الأجهزة والشواحن.

أما الشواحن، فمنها ما يوفر طاقة تشحن البطارية في دقائق ومنها مايحتاج إلى ساعة لشحن نفس البطارية فهو ضعيف لايقوى على شحن أحد. من جانب آخر منها مايكون ذا جودة عالية فيستمر معك طويلا ومنها ما يعطب عند أول حاجة حقيقية له. ليس من المهم العلامة التجارية للشاحن سواء كان "ملتزما" أم "من الربع" أو حتى "من الأهل"، بل المهم هو هل هذا الشاحن يمدنا بالطاقة المرجوة؟ فلا فائدة من علامة تجارية ممتازة لشاحن من نوع لانحتاجه.

وإن أردنا أن نحدد أهمية الشواحن وحجم حاجتنا لها علينا تأمل أهمية الأجهزة بالنسبة لنا، فإن كانت الأجهزة لايمكن الإستغناء عنها فلابد من أن نملك مجموعة من الشواحن لها لكي نضمن عدم نفاد طاقتها مهما كانت قوة بطاريتها، وإن كان الجهاز هامشيا فلا داعي لإضاعة الوقت مع شخص لايمكن أن يشحن إلا سفاسف الأمور والتوافه من الاهتمامات.


الرسالة هنا هي أن على كل شخص منا أن يفكر في أهدافه وطموحه، ثم يحدد المهم من الاهتمامات والمهارات والصفات (الأجهزة) ليبلغ أهدافه ويحقق طموحه، ثم عليه أن يتأكد دائما بأنه يحيط نفسه بأصحاب ومصادر (شواحن) تقوي مهاراته وهمته وتعينه على المضي قدما على الطريق الصحيح.

السبت، 2 أبريل 2016

مُخْلِصٌ بِشُروط..

((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى))، حديث أزعم أنه لايغيب عن أحد من المسلمين، فالنية موضوع مهمٌ فهمه ليحصل المرء على الأجر، فلاعمل من غير نية. 
السؤال الذي أود طرحه والتفكير فيه في هذا المقال، ما هو المقصود بالنية؟ وما دورها في العمل الجماعي؟ سواء كان عملا خيريا دعويا أو عملا تجاريا أو غير ذلك.
في تعريف السيوطي النية “عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً”. أركز هنا على كلمتي “القلب” و “مايراه” فالنية أمر لايطلع عليه أحد ولايمكن لأحد أن يعلم يقينا نية أحد آخر، وهي كذلك تختلف عند كل شخص حتى وإن كان العمل الظاهر متشابها. من هنا تأتي أهمية النية في العمل الجماعي، فقد تكون المجموعة تعمل سويا لأجل هدف معلن واضح ولكن أهداف القلوب ونياتهم تختلف، فهذا يعمل -حقيقة- لأجل المنصب، وهذا لأجل الصحبة، وذاك يعمل لأنه اعتاد على هذه الأجواء منذ صغره.
المشكلة الكبيرة -باعتقادي- ليست عدم إخلاص النية تعمدا كما المنافقين، ولكن هي عدم الإخلاص الخفي، فإن سألت الشخص عن سبب عمله الدعوي سيقول مباشرة ومن دون ذرة تردد “لله” وقد يكون صادقا حينها، ولكن ما إن تؤخذ منه مسؤولية كانت عنده أو منع من أمر كان يأمل أن يحصل عليه، أو نصحه أحد أو تكلم عنه إلا وتراه يستشيط غضبا ويستجمع كل حيلته وقوته لمحاربة من يراه سببا فيما حدث له. ثم وإن سُئِل عن سبب ما يفعله سيرد “نحن نعمل لله وما أقوم به ليس إلا خوفاً على مصلحة العمل”، فهو مخلص شرط أن يكون ذا مكانة ومنصب في العمل، مخلص شرط أن ينال مايراه هو أنه من حقه، مخلص شرط أن تسير الأمور وفق هواه.
هو موضوع مهم وخطير وعلى كل شخص يَحْسَب نفسه جزءاً من عمل جماعي أن يراجع نيته دائما ويذكر نفسه بسبب وجوده في مكانه، ويجعل نيته الخالصة لله عز وجل مثبتا له على الطريق الصحيح. فمن الطبيعي أن تمر على الشخص مواقف صعبة، وقد يكون مظلوما فيها، ولكن شتان بين من يحتسب أجر المشقة في سبيل الدعوة لله وبين من ينقلب على وجهه عند أقل امتحان ويسبب فتنا في الجماعة ظاهرها الخوف على مصلحة الجماعة وحقيقتها ليست إلا طمعا في أمر دنيوي بحت.

رسالة: 

لايوجد عمل كامل خال من الأخطاء، فيجب على الجميع العمل لأجل سد الخلل وهذا يكون عبر الطرق المستقيمة والوسائل الواضحة، لا عن طريق إصلاح خلل في الجماعة بعمل شرخ أكبر منه.

الجمعة، 17 يوليو 2015

لِمَ التَغْيير يُغَيِّر

التغيير سنة الحياة، ومبدأ المداولة ثابت في القرآن الكريم ﴿وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ﴾ والتاريخ يشهد على ذلك. هذا المبدأ لا يقتصر على التغييرات الكبيرة كمستويات ودرجات تقدم الدول دون غيرها، ولا على فئة دون أخرى، فكل شخص سيمر بتغييرات وتقلبات كثيرة في حياته بكافة الأصعدة ولا شك. ومن يتفكر في هذه السنة ستراوده الكثير من الخواطر والأفكار، وسيشرد ذهنه في مئات بل آلاف الشواهد والقصص التي مرت عليه. وفي هذا المقال أود أن أشارككم فكرة بسيطة مما في النفس.
للإنسان أفكار كثيرة تحركه ومواقف يتخذها بناءً على مبادئه وأفكاره. وعندما نتكلم عن المبادئ نتكلم عن أمور تعتبر من الثوابت التي لاتتغير إلا نادرا وتحت ظروف ومواقف خاصة. فالتساؤل الذي أود طرحه والتفكر فيه هو لماذا تتغير المبادئ والمواقف بتغير الحال والمكانة والمنصب وغيرها من التقلبات التي هي من سنة الحياة. لماذا يدافع الشخص عن المظلوم ويتكلم ويكتب لدفع الظلم عن الناس ثم وما إن يتمكّن ويصل إلا وتراه لا يختلف عمن انتقده ابتداءً؟ ما الذي يدفع الفقير الذي يشتكي البخل ويتندر فيما لو أن غنيا من الأغنياء أدى زكاة ماله لانتهى فقر البلاد إلا أنه وبعد أن يمن الله عليه برزق إذا هو يتمنع وكأن شيئا لم يكن؟ لماذا يسخط الإنسان على تسلط مدير أو مسؤول وعندما يترقى يكون أكثر تسلطا وجورا؟ هل الأخلاق الفاضلة تقتصر على الفقراء؟ هل الإصلاح يكون فكر المظلومين الضعفاء وينتفي بتملك السلطة والقرار؟ لماذا ينسى الإنسان كل الأدبيات التي كان يتغنى بها فور تغير حاله، وحصول مصلحته؟ كل هذه أسئلة يجب أن نضعها أمامنا ونتفكر فيها حتى لا يسقط أحد منا في هذا الباب، فما أسرع نسيان الإنسان لوضعه، وما أعظم جحوده ﴿فَإِذا مَسَّ الإِنسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلناهُ نِعمَةً مِنّا قالَ إِنَّما أوتيتُهُ عَلى عِلمٍ بَل هِيَ فِتنَةٌ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾.
﴿بَل هِيَ فِتنَةٌ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾، هذا هو الجواب الأساسي للتساؤلات السابقة. قد يُختبر الإنسان بضراء فيصبر ويحتسب ويُبدي نواياه الحسنة للإصلاح ويدعو إلى التطوير وإلى العدل، ولكنه عندما يُختبر بسراء يُفتن وتنقلب موازينه وتتخلخل مبادؤه ويصبح كل شيء هينا في سبيل المنصب، وكل كذبة حلالا في سبيل المال، وكل ظلم جائزا في سبيل المكانة الاجتماعية. 
فعلى الإنسان أن يدعو الله أولا ودائما على تثبيته على الحق، ثم عليه مراجعة نفسه ومواقفه ليتأكد من موقفه وهل هو نتيجة حالته وضعفه فينتهي الموقف بتغير الحال؟ أم هو نتيجة قناعة راسخة ومبدأ واضح فلا يتبدل ولا يتغير مهما حدث. وإن لكم في قصة حروب الردة مثالا واضحا، فموقف من كان يدفع الزكاة أيام رسول الله لم يكن نتيجة إيمان راسخ بالله عز وجل وبدينه الخالد، فتغير موقفهم ومنعوا الزكاة بانتفاء السبب الحقيقي ووفاة الرسول ﷺ.

فاسأل نفسك، واكتشف وضعك ثم أصلح نيتك ومصادر مواقفك وأفكارك. هل أنت مؤمن بالإصلاح لأنه واجب خلفاء الله في الأرض أم لحاجة أخرى؟ هل كلامك عن التواضع وعن حب الإنسان للعمل بغض النظر عن منصبه نابع عن قناعة أم هو كلام تقوله لمن هو دونك لتحافظ على مكانتك ومنصبك؟ أسئلة كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن على كل واحد منا التفكير فيها وإخلاص نياته وأعماله لله عز وجل

الثلاثاء، 7 يوليو 2015

بسكم زعل



العلاقات الاجتماعية للإنسان أمر مهم وفطري، ولايمكن لأي شخص أن يعيش في معزل عن الآخرين، لهذا وضع الإسلام أوامر ونواهي لحفظ العلاقات وحفظ مكانة الفرد وسمعته وكرامته في المجتمع كحد القذف والأمر بالتبيّن. وعلاقات وتعاملات الفرد كثيرة ومع مختلف الأصناف من البشر، فلابد من حدوث مايعكر صفو العلاقات من حين لآخر فلا كمال في النفوس ولا كمال في الأشخاص، من أجل ذلك جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة للحث على مكارم الأخلاق وفضل فض الخلافات ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)). تتنوع الشخصيات والنفوس وتتفاوت بين السلبية والإيجابية، بين الأدب والفظاظة، بين السماحة والغلظة، لذا فالكيّس الفطن هو الذي يطور من نفسه ويهذب أخلاقه ويتعلم كيف يتصرف مع الآخرين، ويتعلم كيف يكون سهل التعامل لين الجانب سمح الخلق مع الناس.
من أصعب أنواع الناس الذين يمكن للشخص أن يتعامل معهم خصوصا وإن كانوا قريبين منه أعزاء عليه، الشخص الحساس كثير السخط، دائم العتاب. لايكاد يمر موقفٌ ولا حادثة إلا وله مأخذٌ على أحد. فتراه يتذمر ويتشكى فيضر من حوله بسلبيته، ويجبر أصحابه على الحذر في التعامل معه والخوف من إيذاء مشاعره حتى يصبح هو هما لهم يخافون من أن يجد في نفسه شيئا عليهم. الأمثلة على هذه الشخصية كثيرة وواضحة للجميع، فإن نسي أحد تبليغ هذا الشخص بتجمّع للأصحاب قامت قيامته، وإن لم يُهدى إليه كما أُهدي لغيره ثارت نفسه، وإن عُمِل بما لا يرى فقد ارتكبت كبيرة من الكبائر.
الحل مع هذا النوع من الشخصية ينقسم إلى قسمين، قسم للشخص نفسه لإصلاح حاله وقسم لمن حوله من أهل وأصدقاء، أما علاجُه لنفسِه ففي قول الله عزوجل ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجتَنِبوا كَثيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمٌ﴾، وفي حديث الرسول ﷺ ((من حسن إسلام المرء تركه مالايعنيه))، وفي قول جعفر بن محمد (إذا بلغك عن أخيك شيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا، فإن أصبته، وإلا قل لعل له عذرا لا أعرفه). وأما العلاج ممن يتضايق ويتأثر ممن حوله فعليهم بالصبر، ومصارحته ونصحه، ثم عدم التأثر بكلامه وبعتابه غير المبرر والدعاء له عسى الله أن يهديه. ثم تجاهل كلامه السلبي وعدم التأثر بما يقول.

همسة:

يامن يرى في نفسه أنه كثير العتاب كثير السخط على الآخرين تمهل وفكر في تأثير ماتفعل على من حولك من أهل وأحباب، اتق الله والتمس لهم الأعذار فماتدري ماتأثير ماتقول في النفوس، ويكفيك إثما أن تكون سببا في قطع علاقات الرحم و الأخوة.