الأربعاء، 8 فبراير 2012

15 - دبلوماسية حمقاء.. ورؤية المنزل


كما توقع الجميع، يوم شاق ومتعب ومزدحم، استيقظ الجميع من الصباح الباكر على الرغم من أن أحدا منهم لم ينم سوى سويعات قليلة، ولكن هذا هو حال هذا اليوم الخاص. الجميع يوضب أغراضه وحقائبه، ينظف غرفته، يعيد أغطية السرير بعد طيّها، ومن ثم يسلم مفاتيح حجرته بعد التفتيش من قبل الإدارة للتأكد من نظافة الغرفة وترتيبها.
بعد ذلك توجه الجميع إلى المطعم لتناول وجبة الإفطار، وعن نفسي كان هذا اليوم هو أول يوم أتناول فيه الإفطار، لأنني لطالما فضلت النوم لساعة إضافية على الإفطار. قلنا الحمدلله قبل الانتهاء من قول بسم الله، وركبنا الباصات للتوجه إلى جامعة الامم المتحدة. بالطبع ومن دون أدنى شك، قضى معظم من في الباصات وقتهم في "التأمل" فقد كان الجميع مرهقا.
وصلنا جامعة الأمم المتحدة وبدأت المحاضرة التي ألقاها أحد المسؤولين الكبار هناك، وتكلم عن جهود الأمم المتحدة فيما يتعلق بالأمور الإنسانية، وكان كلامه دبلوماسيا منمقا كما توقعنا. بعد الانتهاء من محاضرته بدأت الأسئلة، وهنا بدأ التناقض الواضح، وبدأ الجميع ينتبه إلى سخافة كلامه الدبلوماسي، فقد طرحت العديد من الأسئلة الحساسة، كدخول أمريكا للعراق، وضرب الناتو لليبيا، والأسلحة النووية لإسرائيل، والكيل بمكيالين، وغيرها من الأسئلة الساخنة. العجيب أن الجواب على كل الأسئلة واحد، وهو كالتالي: "أوافقك الرأي فيما قلته، والأمم المتحدة بها بعض الخلافات البسيطة، ولكنها (الأمم المتحدة) تعارض وبشدة أي عنف دولي أو تدخلات خارجية، والتدخلات الخارجية سيئة ولها عواقب سيئة....." ويبدأ الكلام عن العنف والتدخلات الخارجية. تذكرت في هذا المقام قصة الطالب الذي رسب في التعبير لأنه كان دائما مايكتب عن الجمل مهما كان الموضوع المطلوب، فقد كان ماهرا في الربط بين أي موضوع والجمل.
كان الاستياء واضحا على وجوه الجميع، والعرب (البحرين ومصر) بوجه خاص، فقد تكلم عن أمور الثورات العربية بالمنظور الدبلوماسي، وكان مما قاله أن الليبيون هم من طلبوا مساعدة الناتو، ولم يلقي أي بال للشعب السوري. أردنا أن نتكلم ولكن لمم تسنح الفرصة لنا لضيق الوقت. وصلت درجة الاستياء بنا لدرجة أن بعض وفدنا انسحب من القاعة، وعن نفسي وضعت سماعتي على رأسي ودخلت عالمي الخاص، وفي يدي ألعاب أقضي بها وقتي. وبعد المحاضرة تكلمنا مع مجموعة من المشاركين وشرحنا لهم الأوضاع في الوطن العربي عموما وفي البحرين خصوصا.
انتهينا -ولله الحمد- من المحاضرة، وانطلقنا إلى ميناء يوكوهاما، ورأينا ولأول مرة عالمنا الخاص في الأيام الثلاثين القادمة. حصلنا على بعض الوقت للتجول في المنطقة، ثم انتظرنا للانتهاء من عملية الجمارك، ومن ثم ركبنا السفينة "فوجي مارو" ذات الثمانية طوابق، والتي تسع لأكثر من تسع مئة شخص.
أول مافعلناه هو الذهاب إلى غرفنا، والتقيت مع زملاء الغرفة، وهم "ميغيل" من بيرو و "ريو" من اليابان. جلسنا وتحدثنا واتفقنا على بعض الأمور كالترتيب والاستحمام، وكذلك عن شرب الكحول وما إلى ذلك. ارتحت كثيرا لرفيقي، وشعرت بأننا سنقضي وقتا ممتعا معا. البيروفي ميغيل شخص هادئ بشوش الوجه، تكلمت معه كثيرا عن البحرين وعن الإسلام، وارتحت في الكلام معه وكأنه رفيقي منذ زمن طويل. اما ريو فهو هادئ وخجول، لا يتكلم كثيرا، وكمعظم اليابانيين لا يحسن الإنجليزية، ولكن يمكننا التفاهم بطرقنا الخاصة.
بعد الانتهاء من ترتيب الغرفة توجهنا إلى المطعم لتناول العشاء، وكانت هذه هي ألذ وأفضل وجبة مرت علي طوال الأسبوعين الماضيين (ماعدا الوجبة الفارهة التي دفع فيها الشخص أكثر من 25 دينارا)، فقد كان اللحم حلالا، ومتبلا بطريقة رائعة، وكان الرز المميز متوفرا بدل الرز الأبيض التقليدي الياباني الذي لايغني من جوع. ففرحنا كثيرا واستمتعنا بالعشاء.
وختمنا برنامجنا الطويل هذا اليوم ببعض العروض التحضيرية من قبل الإدارة، تكلموا فيها عن بعض المرافق، وبعض الإرشادات والإعلانات. كان الجميع مرهقا في هذه الفترة، فاستاءوا كثيرا من التأخير الذي حدث من قبل الإدارة، فقد كان من المفترض أن ننتهي من البرنامج في تمام التاسعة، ولكن البرنامج استمر حتى العاشرة إلا ربع. إضافة إلى ذلك كان هناك بعض اجتماعات اللجان بعد البرنامج، وكعضو في لجنة العروض الوطنية، ذهبنا واستمعنا لشرح مبسط عن طريقة التحكم بالصوت والإضاءة للمسرح، لأن مهمتنا الرئيسية هس التحكم بالصوت والإضاءة للعروض الوطنية.
بعدها توجهت سريعا إلى غرفتي وانتهيت من بعض الأمور، ووجهت وجهي لفاطر السماوات والأرض.

خواطر:
1- في أثناء فترة الانتظار بالميناء، كنت سابحا في عالمي الخاص من خلال الأناشيد التي تعودت عليها في الوطن، فأحس من خلالها بالراحة لأنها تذكرني بالوطن، وبينما كنت في هذا الوضع، سألني بعض أعضاء الوفد عما أسمعه، فأسمعتهم أنشودة مؤثرة ورائعة، كلماتها تحكي قصة ابن يتكلم عن أمه بعد وفاتها، وكيف أنه كان مقصرا بحقها. كان الحنين إلى الأهل قد بلغ ذروته لدى الجميع، فبعد سماعهن للأنشودة لم تقدر أن تمسك بعض البنات دموعهن. كان هذا الموقف مؤثرا جدا بالنسبة إلي، فقد كنت أتأثر بهذه الأنشودة وغيرها من الأناشيد الرائعة قبل انطلاق رحلتي بمجرد التفكير بأنني سأترك أهم من في حياتي لهذه الفترة، فكيف بالتفكير فيهم بعد أسبوعين من الرحلة، وانا أعلم بأن المتبقي أكثر من ضعفين مامضى. بالفعل الأهل عموما والوالدين بشكل خاص هم أثمن وأغلى مايملك الإنسان، فعلى الرغم من الوقت الجميل الذي أقضيه هنا مع عائلتي الجديدة (أعضاء وفدي) إلا أنني دائما ما أشعر بشي ناقص في داخلي.



أحمد العوضي
30/1/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق