الأربعاء، 8 فبراير 2012

19 - قطف أول الثمار


الإنجاز، شي رائع لذيذ، لا يحس بحلاوته إلا من بذل جهده وعمل وتعب، وكلما كان الإعداد متعبا أكثر، كان الإحساس بحلاوة الإنجاز أجمل. اليوم فرحنا كثيرا بإنجاز أكبر شيء علينا القيام به في البرنامج بأكمله، فرحنا كثيرا لفرحة الناس وانبهارهم بما قدمناه. سأتكلم عن ذلك أكثر، ولكن فلنعد إلى الصباح. استيقظنا صباحا على أصوات المجموعة المسؤولة عن إيقاظ الجميع، وبدأنا يومنا بوجبة الإفطار. بعدها جاء دور التجمع الصباحي، وفيه كان موعد أول إنجازاتنا لهذا اليوم، وهو عزف السلام الملكي البحريني، إضافة إلى توزيع أول عدد من أعداد النشرة الأسبوعية، التي تعبنا كثيرا في إعدادها، وقد حازت على رضا الكثير من المشاركين ولله الحمد.
بعد ذلك كان البرنامج مفتوحا للمجموعات، فتنوعت الأنشطة والبرامج، وفي مجموعتنا قمنا بتزيين المرواح اليدوية، ثم لعبنا بعض الألعاب البسيطة الجميلة، وقد علمتهم لعبة من الألعاب المشهورة في أنشطتنا في المركز، وفرحوا كثيرا بها. بعد الألعاب كان موعد الإنجاز الثاني لهذا اليوم، فقد أقمنا -نحن المسلمون- صلاة الجمعة في المصلى، وشاركنا المسلمون من سريلانكا وبعض من وفد مصر. بعدها كان موعد الغداء، ثم استمعنا إلى محاضرة بسيطة من ربان السفينة، شراح فيها بعض المصطلحات البحرية. بعدها كان موعد الحصة الثانية من النوادي الفنية، وفي ناديي ناد فن القصص البرازيلية، واصل الجميع المحاولة لكتابة بعض الأشعار البسيطة، ثم وضعنا مخططا يوضع كيف سننقش رسوماتنا على الخشب.
أعصاب مشدودة، وتوتر شديد، وخوف وترقب، كان هذا هو وضعنا في البرنامج القادم، فقد كان برنامجنا القادم هو العرض الوطني للوفد البحريني، فيه سنقدم ماتدربنا لأجله ما لا يقل عن الثلاثين ساعة، مامكثنا في متحف البحرين يوما كاملا فقط لتصوير دقيقتين منه، وما قضينا لأجله يوما كاملا في سوق المنامة، وغيرها من الأشغال التي بذلنا فيها جهدنا فقط لإنجاح هذه الفعالية. أهمية هذه الفعالية تأتي من أن كل دولة ستتكلم عن ثقافتها في ما لايقل عن الأربعين دقيقة. فيجب علينا أن نأتي بعرض يرقى بمستوى مملكتنا الحبيبة. ومصدر التوتر الشديد قادم من كون عرضنا الذي يقدمه عشرة أشخاص فقط يأتي مباشرة بعد عرض الدولة المضيفة والذي شارك فيه أكثر من مئة شخص، والذي كان بالفعل كحفل افتتاح إحدى البطولات الرياضية. إضافة إلى كل ذلك قلة الوقت الذي حصلنا عليه للتدريب على المسرح، فقد كان موعد تدريبنا في يوم الدوار العام، ولم أحد منا قادر على القيام بأي شيء. نتيجة لكل ذلك حوت التدريبات ماقبل العرض الكثير من الأخطاء، وحاولنا قدر المستطاع التركيز، ولكن التوتر كان مخيم على الجميع.
جاءت لحظة الجد، وافتتحنا عرضنا بشرح مبسط لكيفية لبس الغتر التي وزعناها على جميع الحضور، ثم كان الافتتاح الرسمي بآيات عطرات من القرآن الكريم، أحسست بإحساس غريب جدا وأنا أقرها، فالقراءة لم تكن لحفل تكريم طلبة متفوقين، أو لحفل افتتاح إحدى المنشآت، بل كانت القراءة أمام أناس لا يعرفون من القرآن شيئا، لذا فهم سيعتدمون على هذه القراءة لتكوين رأيهم وانطباعهم حول القرآن، لقد أحسست بمسؤولية عظيمة، ولكن والحمدلله ما إن بدأت بالقراءة حتى ارتحت نفسيا واستطعت أن أكمل القراءة بتمكن -حسب قول من كلمني-. بعد القرآن بدأنا عرضنا الذي تكلمنا فيه عن عادات الزواج القديمة، ونوع الأعمال الموجودة في البحرين قديما، وكيف أن النفط ساهم في تطوير الصناعة وغير طبيعة الأعمال والوظائف.
بعد أن انتهينا من العرض فرحنا كثيرا بتفاعل جميع الجمهور، فقد كان الجميع مسرورا، وحصلنا على الكثير من المديح، كما وقد كان الجميع يصور مع أعضاء وفدنا بزينا الشعبي، وعلمنا الكثير منهم كيفية لبس الغترة. بشكل عام، فرحنا كثيرا جدا بهذه الليلة، واجتمعنا ولأول مرة على السفينة نحن أعضاء الوفد جميعا، وتناولنا بعض الحلويات، بسبب أنه لم تحن الفرصة لنا لتناول العشاء. كان اجتماعا رائعا جدا، أحسسنا فيه ولأول مرة منذ بداية البرنامج بالراحة النفسية، وكأننا قد أجتزنا أصعب امتحان على وجه الأرض بتفوق.


خواطر:
1- بعد العرض كلمني اثنان من اليابانيين عن القرآن، وأخبراني بأن هذه المرة هي المرة الأولى التي يسمعون فيها كلام الله. موقف آخر حدث لأحد أعضاء وفدنا عندما كان يكلم إحدى المشاركات عن الإسلام، قاطعته واخبرته بأنها مسلمة رغم أنها لا تعرف شيئا سوى الاسم. هذين الموقفين جعلاني أفكر كثيرا بنعم الله علينا وتوفيقه، فقد خلقنا عربا في أسر ملتزمة بدينها، فكبرنا على هذا الدين، وحب العمل لأجله. وفي أماكن أخرى هناك أناس محرومون من هذا الدين، لايعرفون سوى اسمه.

2- في أثناء اجتماعنا بعد العرض، أخبرتنا إحدى أعضاء وفدنا كلاما سمعته من إحدى المشاركات من أحد الوفود الأجنبية، بأن شباب الوفد البحريني مميزين بشخصيتهم المتزنة، وليسو كغيرهم من أعضاء الوفود الأخرى. هذا التعليق أفرحني كثيرا، فعلى الرغم من أننا لا نشاركهم احتفالاتهم الليلية، ولا نستقبل الفتيات بالأحضان كغيرنا، بل ولا نصافحهم، إلا وأنهم نتيجة الاحتكاك بنا رأوا أخلاقنا وعرفوا سبب تصرفاتنا، فاحترمونا. البعض اليوم وللأسف يظن أن ثباته على مبادئه ينفر الناس منه، وأنه عليه أن يساير الناس فيما يعملون. هؤلاء يكونون كالإمّعة، إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساء الناس أساءوا. ولكن الصحيح هو الثابت على مبادئه وقيمه هو من سيجذب الناس له، وسيكسب احترامهم. شعرت بالفرح من هذا الكلام واحسست بالفخر والعزة لانتمائي لهذا الدين الذي يهتم بِسَمْت الإنسان وأخلاقه.

أحمد العوضي
3/2/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق